فصل: 99 الآية السابعة منها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما الآية التي دخلتها الواو فإن قبلها أفعالا ماضية كقوله: {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} التوبة: 84، وهذه الأفعال بمضيها وانقضائها لا تكونشرطا فتعقب بالفاء التي تدل على الجزاء، فعطفت الآية بعدها على ما قبلها بالواو لبطلان المعنى الذي يقتضي الفاء. ألا ترى أنه قال: {وماتوا وهم فاسقون} ولا يشترط فعل من قد مات فيعقب بذكر الجزاء، فلذلك اختلفا في الفاء والواو.
والجواب عن المسألة الثانية، وهي توكيد قوله: {ولا أولادهم} بـ لا في قوله: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} وتعرية الثانية منها حيث قال: {ولا تعجبك أموالهم وأولادهم} هو أن الذي نبأ عن معنى الشرط في الفعل الأول وهو: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون} التوبة: 45. بني على أوكد ما يبنى عليه الأخبار من الإيجاب بعد النفي، فلما علقت الجملة الثانية به تعلق الجزاء بالشرط اقتضت من التوكيد ما قصد به مثله في الأول، فكان من ذلك أن أكد معنى النهي بتكرير لا في قوله: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم}.
وأما الثانية فهي مخالفة للأولى في هذا المعنى، لأنه لا شرط ينطوي عليه الفعل الذي قبلها كما انطوى علي الفعل الذي قبل الفاء، ولم يتضمن أيضا من التوكيد المقتضى بناء يتعلق عليه فخلا من الدواعي إلى التوكيد، فلم يكرر فيه لا لذلك.
والجواب عن المسألة الثالثة وهي وصل الإرادة باللام في الأولى حيث قال: {ليعذبهم بها} ووصلها بأن في الثانية حيث قال: {أن يعذبهم} هو أن الأولى معناها: إنما يريد الله أن يزيد في نعمائهم بالأموال والأولاد ليعذبهم بها في الحياة الدنيا، فمفعول الإرادة محذوف، واللام لام الصيرورة، والآية الأخيرة مخالفة للأولى في ذلك، لأنها في الإخبار عن قوم قد ماتوا وانقرضوا على النفاق، فلم يضمر للإرادة مفعول، وهو: أن يزيد في نعمائهم لانقطاع الزيادة بالموت عنهم، فعديت الإرادة إلى ما آل إليه حالهم من تعذيبهم، فصار المعنى: إنما يريد الله في حال إنعامه عليهم تعذيبهم به في الدنيا، ففرق بين الخبرين إذ كان أحدهما خبرا عن قوم معرضين لزيادة إنعام الله عليهم، والأخير خبرا عمن انقطعت أعمالهم وبلغت نعمة الله عليهم غاية لا مزيد فيها لهم، والله يريد تعذيبهم بذلك بعد كفرهم ومقامهم على نفاقهم.
والجواب عن المسألة الرابعة وهي قوله في الأولى: {في الحياة الدنيا} فجعل الدنيا صفة للحياة، قوله في الآخرة: {في الدنيا} فأغنى بذكر الصفة عن ذكر الموصوف هو أن الثانية لما كانت بعد الأولى، وقد نبه فيها على الموصوف، كان في ذكره هناك غنى عن ذكره في هذا المكان، لاسيما والدنيا كاسم علم للحياة الأولى وللدار الدنيا، فأغنى كل ذلك عن ذكر الحياة، والإتيان بالموصوف، وهذه حال الصفة.

.97 الآية الخامسة منها:

قوله تعالى: {... استأذنك أولو الطول منهم وقالوا منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون} التوبة: 86-87.
وقال بعدها في العشر التي تلي هذه العشر: {وإنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبه الله على قلوبهم فهم لا يعلمون} التوبة: 93.
للسائل أن يسأل هنا عن مسأليتين:
إحداهما عن قوله في الأولى: {وطبع} بفعل مالم يسم فاعله وفي الثانية سمى فاعله بقوله:: {وطبع الله}.
والمسألة الثانية قوله في الأولى: {فهم لا يفقهون} وفي الآخرة: {فهم لا يعلمون}.
والجواب عن المسألة الأولى أن قوله تعالى: {وطبع} في آخر آية افتتحت بقوله تعالى: {وإذا أنزلت سورة} التوبة: 86 والمعنى: وإذا أنزل الله سورة، فلما صدرت الآية بفعل علم أن فاعله الله فيما لا يقتضي ذكر الفاعل به مزية، بل يقوم المفعول به مقام، كان مثل هذا الفعل في منتهى الآية محمولا عليه، لأنه معلوم أن الله تعالى يطبع، كما علم أن الله ينزل، فكانت التوفقة بين آخر الآية وأولها في ذلك هو الاختيار.
والآية الأخرى وقعت هذه اللفظة منها في موضع إشباع وتأكيد، لا تراها في قوله: {إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء} التوبة: 93 فجاءت إنما بعد نفي مكرر في قوله: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا الله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه...} التوبة 91-92 فنفى الحرج عمن قعد عن الجهاد لإحدى المعاذير التي ذكرها، ثم ألزم الحرج القوم الذين حالهم مضادة لأحوال أولئك، فقال: {إنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف...} أي الاثم يتوجه على من يستأذن في المقام، وهو قادر على الجهاد بالغنى واليسار وصحة الأبدان، رضوا بأن يكونوا مع النساء والزمنى والضعفاء، والله طبع على قلوبهم، فهم لا يعلمون، فلما كان هذا الموضع موضعا يتبين فيه مضادة حالهم لأحوال غيرهم لتخالف بين أفعالهم وأفعال من فسخ في القعود لهم، كان موضع تنبيه وتأكيد وتخويف وتحذير، فسمى الفاعل وهو الله تعالى ليليق الفعل إذا جاء هذا المجيء بمكانه.
والجواب عن المسألة الثانية هو أن الذين ذكروا بالطول، وهو الفضل في النفس والمال والقدرة على الجهاد وإنما مالوا إلى الدعة، وأخلدوا إلى الراحة، وأشفقوا من الحر، ولم يفطنوا أن الراحة في تحمل التعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الدعة توجد بتحمل المشقة معه، فطلبوا ما كان مطلوبهم ضده لو فقهوا، وتفطنوا، فكان هنا موضع يفقهون.
وأما الآية الأخرى وهي: {وإنما السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء} أي العقاب يتوجه إلى هؤلاء، وهم الذين لا يعلمون ما أعد ما أعل الله لكل ذي عمل محق عمله ما يعلمه المؤمنون الذين يستجبون للخروج، والذين تفيض أعينهم، إذ لم يعنهم بالركوب فلما كان بإزائهم في الآتين اللتين قبل، ذكر من تحقق، وعلم الثواب والعقاب على اليقين، وخالفهم هؤلاء، نفي عنهم ما أثبته لأولئك وهو العلم، فلذلك جاء في هذا المكان: {فهم لا يعلمون}.

.98 الآية السادسة:

قوله تعالى: {...قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبئنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون} التوبة: 94.
وقال بعده: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون} التوبة: 94.
للسائل أن يسأل عن شيئين في هذا المكان:
أحدهما: ذكر {والمؤمنون} في الآية الثانية، وتركه في الأولى.
والسؤال الثاني: قوله في الآية الأولى: {ثم تردون} وفي الآية الثانية: {وستردون} وهل لاختلافهما معنى يوجبه ويخصصه بالمكان الذي يخصه؟
والجواب عن الأولى أن يقال: إن المخاطبين في الآية الأولى هم المنافقون، والمخاطبون في الثانية هم المؤمنون، لأنه قال في الأولى: {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبئنا الله من أخباركم...} والثانية قال قبلها {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم...} التوبة: 103 وبعدها: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات...} التوبة: 104 ثم قال: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} التوبة: 105.
وإذا اختلف المخاطبون بما بينا في الآيتين كان قوله: {وسيرى الله عملكم ورسوله} بعد قوله: {قد نبأنا الله من أخباركم} معناه: أن الله قد أخبرنا بأخباركم التي تخفونها في أنفسكم وتجاهرون بها من كان من المنافقين مثلكم، والله سيرى ما يكون منكم بعد، ويرى رسوله بإطلاع الله له عليه، وأعمالهم التي لأجلها يحكم عليها بالإنفاق يراها الله تعالى ويطلع الله عليها صلى الله عليه وسلم، وما كل مؤمن يعلمها، فلذلك لم يقل في هذا المكان: {والمؤمنون} بعد قوله: {وسيرى الله عملكم ورسوله}.
وأما الآية الثانية فإنها فيمن أمر الله تعالى نبيه وهم الذين أوجب عليهم الصدقات بأن يقول لهم: اعملوا ما أمركم الله تعالى به من الطاعات كالصلوات والصدقات، فإن الله ورسوله والمؤمنين يرون ذلك.وهذه الأعمال مما ترى بالعين خلاف أعمال المنافقين التي تقتضي لهم النفاق لإضمارهم خلاف إظهارهم، وهو مما لا يرى بالعين، وإنما يعلمه عالم الغيب، فلذلك لك يذكر {المؤمنون} في الأولى، وذكروا في الثانية.
والجواب عن المسألة الثانية: أن معنى قوه للمنافقين: {...قد نبأنا الله أن أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله} أي: سيعلم الله حقيقة عملكم، وأنه عن غير صحة اعتقاد منكم، وأن اعتذاركم قول بلسانكم، لا يطابقه منطوى ضميركم، وهذا ظاهر، يكون الجزاء عليه خلافه، ففصل بينه وبين ردهم إلى الله تعالى للجزاء عليه بقوله: {ثم} أي: عملكم، يعلم الله من باطنه خلاف ظاهره، وقد أمرنا بالرضى به وحقن دمائكم له، ثم إن الحكم إذا رددتم إلى الله تعالى في الآخرة بخلافه، فلبعد ما بين الظاهر من عملكم، وما تجازون به دخلت ثم.
وليست كذلك الآية الأخيرة، لأن قبلها بعثا على عمل الخير بقوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} التوبة: 105 وهو وعد، والأول وعيد، وبعده: {وستردون} لأنه وعد بما يشاكل أفعالهم ويطابق أعمالهم من حسن الثواب وجميل الجزاء، ولم يبعد عنها كبعد جزاء المنافقين عما هو ظاهر من أعمالهم التي يراؤونها بها، ويعلم الله تعالى خلافها منهم، فجرى الكلام على نسق واحد، فقال: {فسيرى الله} {وستردون} ولم تدخل ثم التي هي للتراخي والتباعد، فاختصاص كل موضع بما اختص به من اللفظ لما ذكرنا.

.99 الآية السابعة منها:

قوله تعالى: {...ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا غريبا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله ليضيع أجر المحسنين} التوبة: 120.
وقال بعده: {ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} التوبة: 121.
للسائل أن يسأل في ذلك عن مسألتين:
إحداهما: قوله تعالى في الآية الأولى: {إلا كتب لهم به عمل صالح} وقوله في الثانية: {إلا كتب لهم به} فحسب، ولم يذكر {عمل صالح} كما ذكر في الأولى.
والمسألة الثانية: تعقيبه الأولى بقوله: {إن الله ليضيع أجر المحسنين} وتعقيبه الثانية بقوله: {ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} ووجه الاختلاف في هاتين الآيتين.
والجواب عن المسألة الأولى هو أن في جملة ما ذكره تعالى مما أوجب لهم الأجر ليست من أعمالهم، لأن الظمأ ليس هو من فعل الإنسان والنصب والمخمصة كذلك فلما تضمن مما نسق بعضه على بعض ما ليس بعمل لهم وما هو عمل لهم بقوله: {ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا} الحق أجر ما ليس بعمل لهم بما هو عمل لهم فقط فقال: {إلا كتب لهم به عمل صالح} أي أجر عمل صالح.
وما ذكر الله تعالى في الآية الثانية كله من أعملهم، وهو قوله: {ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم} أي: لا يخرجون من أموالهم ما دق أو جل، ولا يقطعون في مسيرهم على أعدائهم واديا إلا كان ذلك محفوظا لهم معلوما مكتوبا، أو كالمكتوب عند الله تعالى ليجزيهم عليه أحسن الجزاء فلما كان ما في الثانية عملهم كتب على جهته، ولم يحتج إلى أن يكتب بع عمل صالح، لأنه هو والأول كان فيه ما ليس بعملهم فكتب به أجر مثل عملهم، فلذلك كانت الزيادة في الأولى ولم تحتج إليها الأخرى.
والجواب عن المسألة الثانية وهي تعقيب الأولى بقوله: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} هو أن من أخبر عنه بأنه أصابه ظمأ ونصب وجوع، فقد أخبر عنه بفعل غيره، ولم يخبر عنه بفعل فعله هو، إلا أنه يحسب له بما وصل إليه من ألم العطش والجوع والتعب والنصب الأجر، فلذلك عقبه بقوله: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} أي: أجر من أحسن طاعة اللع وتعرض منها لما تلحقه فيه هذه الشدائد.
وأما الآية الثانية وتعقيبها بقوله: {ليجزيهم} الله أحسن ما كانوا يعملون فلأن جميع ما ذكر كان عملا لهم، فوعدهم حسن الجزاء على عملهم وذلك ظاهر والله أعلم.
انقضت سورة براءة عن سبعة مواضع فيها ثلاثة عشرة مسألة. اهـ.